كلمة المحرر

 

من دروس الحج

 

 

 

 

        يستقبل المسلمون في شهر ذي الحجة مناسبةً عظيمةً وعبادةً عظيمة وشعيرة من أعظم شعائر الإسلام وهي الحج، الذي أمر الله تعالى بالتأذين به؛ حيث قال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومٰتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج/27-29]. وهذه الشعيرة تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا أحرِ بالمسلم أن يعيها ويعيش حياته بمقتضاها. فمن أعظم دروس هذه الشعيرة الإسلامية مبدأ الأخوة الإيمانية التي يجسدها هذه العبادة على أوضح صورة. وهذا المبدأ يعني عدم الاعتراف بأي شيء فَرَّق أو يفرِّق بين المسلمين من العوامل العرقية والإقليمية و اللغوية التي استغلها ويستغلها أعداء الإسلام، ويجدونها منفذًا رحبًا لضرب وحدة المسلمين و إثارة الشحناء والبغضاء بين مختلف شرائح المجتمع الإسلامي ولتنفيذ خططهم الخبيثة المدمرة التي أتت وتأتي على الأخضر واليابس من العالم الإسلامي.

     ومن أعظم الفوائد والدروس التي تؤخذ من الحج: مواطنه ونصوصه ما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: «قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غدًا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا». قال ابن عباس: «ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم». ففي الحديث تقرير لمبدإ عظيم وهو مشروعية مراغمة الأعداء، وإغاظتهم.

     ومن الدروس المستوحاة من هذه العبادة العظيمة التذكير بالانتصار على الأعداء و القوى الكافرة على يد الثلة المؤمنة الصابرة، وهوما يشير إليه فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- حين رقي الصفا فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».

     ومما يؤخذ أيضًا من هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة التسليمُ المطلق والانقياد الكامل لأمر الله تعالى و رسوله في قصة أم إسماعيل، كما في حديث البخاري: «جاء بها إبراهيم و بابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة، فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولاشيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لايلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا،ثم رجعت».

      أما آن للمسلمين أن يعوا دروس الحج هذه، ويستشعروا أهميتها وضرورتها في هذا العصر الذي يواجهون فيه ويلاتٍ ومشاكل لانهاية لها.

[التحرير]

(تحريراً في الساعة الثانية عشرة من يوم الأحد: 23/شوال 1436هـ = 9/أغسطس 2015م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1436 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2015م ، العدد : 12 ، السنة : 39